• راي اليوم
لماذا نعتقد أنّ السّفيرة الأمريكيّة في لبنان تجاوَزت كُل الأعراف الدبلوماسيّة وتستحق الطّرد؟
الثلاثاء 30 يونيو 2020 الساعة 09:44
راي اليوم
السيّدة دوروثي شيا السّفيرة الأمريكيّة في لبنان تتعاطى مع مُعظم اللّبنانيين، حُكومةً وشعبًا، كما لو أنّهم أتباع أو عبيد لحُكومتها، تُوجِّه لهُم الأوامر، وتتدخّل في شُؤونهم الخاصّة، والأخطَر من ذلك أنّها تُحاول بثّ الفِتَن لتفريق صُفوفهم، وتأليبهم ضدّ بعضهم البعض، ولهذا نعتقد أنّ استِدعاءها الاحتجاجيّ من قِبَل السيّد نصيف حتي وزير الخارجيّة اللّبناني كان أقل كثيرًا مِن المطلوب.
السّفيرة الأمريكيّة تجاوزت كُل الأعراف الدبلوماسيّة عندما أدلت قبل يومين بتصريحاتٍ تعرّضت فيها بشكلٍ مُسيئٍ لحزب الله اللّبناني الذي تضعه دولتها على قائِمة الإرهاب عندما اتّهمته بأنّه “دولةٌ داخِل دولة”، واستَنزف الخزينة اللبنانيّة وكلّفها مِليارات الدّولارات التي ذهَبَت إلى “جيبه” وليسَ إلى خزينة الدّولة، و”حالَ الحِزب دون إجراء إصلاحات اقتصاديّة تحتاجها البِلاد”.
هذه اللّغة الفوقيّة المُتعالية التي استَخدمتها السّفيرة الأمريكيّة ما كانت ستُقدِم عليها لو أنّها كانت تُدرك مُسبقًا أنّ ردّ الدّولة اللبنانيّة على مِثل هذه التّجاوزات سيكون أكثر صرامةً، ولا يقتصر فقط على الاستِدعاء إلى مقرّ وزارة الخارجيّة والاحتِجاج على تصريحاتها الجارِحة والمُحرِّضة، ضدّ “حزب الله” الذي يُشَكِّل مُكوِّنًا رئيسيًّا في النّسيجين السياسيّ والاجتماعيّ اللّبنانيّ، وتتمثّل في الحُكومة والبرلمان معًا، ولَعِبَ، ويلعَب دورًا أساسيًّا في استِقرار لبنان ومنع انزِلاقه إلى حربٍ أهليّةٍ دمويّةٍ بكَظمِ الغيظ، والترفّع عن الهُبوط إلى مُستوى بعض خُصومه.
فلو كان “حزب الله” “إرهابيًّا” لما ترك السّفارة الأمريكيّة تُرسِل طائرةً لاختِطاف مُجرم قاتل مِثل عامر الفاخوري الذي كان يمتثل أمام القضاء اللّبنانيّ بتُهمة ارتكاب جرائم حرب، ونقله إلى قبرص، وهي الخطوة التي عرّضت حزب الله لانتقاداتٍ عديدةٍ حتى من أقرب حُلفائه في لبنان وخارجه، فقد كان مِن السّهل عليه التصدّي لهذه الطّائرة ومنع هُبوطها في فِناء السّفارة، ولكنّه آثَر وأد الفِتنة وتجنيب لبنان الصّدام.
ما لا تعرفه السٍفيرة الأمريكيّة، أو تعرفه، وتُحاول تجاهله، أنّ الحزب كان وما زال يضخّ حواليّ 150 مِليون دولار في خزينة الدّولة اللبنانيّة شَهريًّا كرواتب ونفقات تصل إليه كتبرّعات أو مُساعدات مِن إيران والمُواطنين اللّبنانيين الذين يعيشون في الخارج، ولم يُكَلِّف هذه الخزينة دُولارًا واحِدًا، والغالبيّة السّاحقة مِن أباطِرة الفساد في لبنان الذين نهبوا البَلد وهرّبوا عشرات المِليارات من أمواله إلى حِساباتهم في الخارج هُم خُصومه السّياسيين أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولا نقول من عُملائها تأدُّبًا.
نعم نتّفق مع السّفيرة بأنّ الفساد هو الوباء الأكثر فَتكًا بلبنان واقتِصاده، ولكنّه يتواضع أمام التدخّلات الأمريكيّة في شُؤونه الداخليّة التي تحمي الفاسِدين وتنشر الفِتنة الطائفيّة في صُفوفه، وإشعال فتيل الحرب الأهليّة مُجدَّدًا.
الخطيئة الكُبرى التي ارتكبها “حزب الله” تتمثّل في امتِلاكه أسباب القوّة والإرادة التي مكّنته وحُلفاؤه مِن هزيمة دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتحرير الأراضي اللبنانيّة عام 2000 والتصدّي لعُدوانها عام 2006، وتحقيق الرّدع الاستراتيجيّ معها، وإحباط كُل الضّغوط الأمريكيّة لترسيم الحُدود البريّة والبحَريّة اللبنانيّة وِفق الشّروط الإسرائيليّة، ونهب أكبر قدر مُمكن مِن الثّروة النفطيّة والغازيّة اللبنانيّة في البَحر المتوسّط.
لا نعرف كيف سيَرُد “حزب الله” على هذه الإهانات، والتّطاولات، التي أقدَمت عليها السّفيرة الأمريكيّة في حقّه، ولكنّنا نعرف، وبحُكم معرفتنا لبُنود مُعاهدة فيينا المُتعلِّقة بتنظيم العمل الدبلوماسيّ ووضع قواعده، أنّ طرد هذه السّفيرة باعتِبارها انتهكت هذه المُعاهدة، هو إجراء الحد الأدنى الذي يجب أن تتّخذه الحُكومة اللبنانيّة.
رَحِمَ اللهُ تلك الأيّام التي كان يَرُد فيها حزب الله على مِثل هذه التّطاولات الأمريكيّة بالطّرق التي تستحق، ونَكتَفِي بهذا القدر.
“رأي اليوم”
إضافة تعليق
الأسم*
الموضوع*
نص التعليق*