مصحف وحبيبة ضائعة وابن مفقود من زمن صدام حسين
الثلاثاء 7 مارس 2017 الساعة 22:17

مراقبون برس-وكالات:

تعد الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات، أشد الحروب المعاصرة دموية وفتكا وتدميرا، إلا أن جنديا إيرانيا وآخر عراقيا سجلا في ذلك السفر الأحمر صفحات ناصعة البياض.

بدأت القصة في أوج احتدام الحرب العراقية الإيرانية خلال معركة خرمشهر، وكان الجندي العراقي واسمه نجاح، متمترسا في أحد خنادق الجيش العراقي في تلك المنطقة.

أما "زاهد"، وهو فتى إيراني في الثالثة عشر من عمره، فقد كان في الطرف المقابل، هرب من عنف أسرته والتحق بالجيش الإيراني ودخل أتون تلك الحرب الضروس واكتوى بلهيبها.

كانت مهمة زاهد، الجندي الإيراني الصغير في جبهة خرمشهر، إخراج جثث الجنود العراقيين من الخنادق وردمها في قبور جماعية.

وفي معركة خرمشهر، دمر الإيرانيون تحصينات الجيش العراقي، واقتحموا خنادقه الواحد تلو الآخر، وفي أحدها كان الجندي العراقي "نجاح" مصابا بين رفاقه القتلى. وساقت الأقدار الفتى زاهد إلى هذا الخندق، سار في داخله، كما قص في شريط وثائقي جسد أحداث القصة، ممتلئا خوفا وذعرا ليس من رؤية الأشلاء البشرية المنتشرة في المكان فقد تعود على رؤيتها، بل خشية أن يباغته جريح يحتضر بقنبلة تنهي عذاباتهما معا.

عثر الجندي الإيراني الصغير الذي لم يشب عن الطوق بعد، وكان أمرد، على جريح عراقي مضرج بالدماء، ففتش جيوبه ووجد بحوزته نسخة من المصحف الشريف بداخلها صورة لحبيبته وابنها، فقرر وقد حسم صراعا في داخله، أن ينقذ العدو الجريح وأن يحفظ له حياته.

قام بتغطيته بجثث رفاقه واعتنى به لثلاثة أيام، ثم تسنى له أن ينقله إلى مستشفى ميداني، وافترقا، من دون أن يعلم أي منهما حتى اسم صاحبه.

دارت الأيام بالجندي الإيراني الصغير، ووقع لاحقا في أسر الجيش العراقي، حيث بقي مسلوب الإرادة حتى نهاية الحرب عام 1988، حين أطلق سراحه وعاد إلى وطنه، لكنه حين طرق باب بيته، أخبره الجيران أن أهل هذا البيت رحلوا إلى محافظة أخرى بعد أن قتل ابنهم في الحرب.

لم تسعف الحرية جراح زاهد، الفتى الإيراني الذي كبر في الحرب، وترعرع بين رعودها وبروقها وسط برك من الدماء. وجد أن أسرته بنت له قبرا، فزاره ووقف أمام الشاهدة لتزداد الدنيا حلكة أمامه وتزداد البراكين تفجرا بداخله.

فرّ من دنيا بلاده على متن سفينة أوصلته إلى كندا، وهناك حاول أن يعيش، وحاول أن يموت بأن يضع حدا لحياته بيديه هربا من كوابيس الحرب التي ظلت تلاحق منغصة حياته.

في الطرف الآخر، بقي نجاح، الجندي العراقي في الأسر حتى عام 2000، خرج إلى الحرية هو الآخر وعاد إلى وطنه ومنه التحق بإخوته في كندا، وهو أيضا كان يغلي، وكانت الكوابيس تطارده، وروحه تتمزق مثل عدوه ومنقذه الإيراني الصغير.

الاثنان قررا أن يستعينا بمؤسسة خيرية تقدم خدمات لضحايا التعذيب، لجآ إليها في يوم واحد، والتقيا صدفة أمام مدخلها، ولم يكن أحدهما يعرف الآخر لأنهما التقيا قبل 20 عاما في عالم مغلف بحمرة قانية ملطخ بأوحال الخنادق.

نظر كل منهما إلى الآخر، نجاح، ظن أن الرجل الذي يقابله عراقي من سحنته، والإيراني ظن أنه يقابل صدفة أحد مواطنيه.

حين حاولا الحديث، كادت اللغة أن تقطع الطريق بينهم، إلا أن الجندي العراقي السابق الذي بقي فترة طويلة في الأسر، تحدث بالفارسية، ما أدهش الجندي الإيراني السابق، وعرف كل منهما أنهما كانا أسيرين سابقين.

وحين طال الحديث خرمشهر، حبس الإيراني أنفاسه، وسأل محدثه العراقي في لهفة عن المكان والتاريخ، وكانت المفاجأة أن تعرف كل منهما على الآخر، وكان المصحف وصورة حبيبة ضائعة وابن مفقود، العلامة التي جعلتهما ينخرطان في بكاء حار وغزير.

أصبحا منذ ذلك التاريخ أخوين. مد الجندي العراقي السابق لمنقذه يد العون فقد كان في حالة شديدة من الاكتئاب، وقد نجح كما عبّر عن ذلك "زاهد" الإيراني في أن ينتشله من ظلام اليأس إلى نور الأمل.

من بين الملايين من سكان كندا، التقيا.. ومن بين عدد كبير من المدن في هذا البلد الشاسع التقيا في مدينة واحدة، وتصادف وجودهما في مكان واحد في زمن واحد، كما لو أن قوة سحرية قد ضربت لهما ميعادا لتختبر معدنيهما.

إضافة تعليق
الأسم*
الموضوع*
نص التعليق*