• رأي القدس
كوليرا اليمن وحمى الخليج
الاثنين 12 يونيو 2017 الساعة 02:55
رأي القدس

انتشر مرض الكوليرا خلال القرن التاسع عشر انطلاقا من دلتا نهر الغانج في الهند وأدّى إلى سبع جوائح حصدت أرواح الملايين من البشر اندلع آخرها في جنوب آسيا عام 1961 ثم وصل إلى أفريقيا عام 1971 ثم إلى الأمريكيتين عام 1991، وتوطّن في العديد من البلدان منذ ذلك الحين متركزا في الأحياء الفقيرة المتاخمة للمدن ومخيمات النازحين واللاجئين التي لا تستوفي متطلبات توفير إمدادات المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي والمناطق التي تتعطل فيها شبكات المياه، وهذه الأوضاع لا يمكن فصلها أبداً عن الحرب الطاحنة الدائرة في ربوع اليمن «السعيد».
حسب منظمة الصحة العالمية فإن عدد المصابين بالمرض في اليمن تجاوز المئة ألف شخص، وحسب جمعية «أوكسفام» الخيرية فإن شخصاً يصاب بالمرض كل ساعة، وأن مئات الآلاف من اليمنيين مؤهلون للإصابة، وإذا ربطنا ذلك مع الإحصائيات العالمية السابقة فهذا يعني أن الجائحة ستنتقل بالتأكيد من اليمن إلى جواره الأقرب في الخليج العربي.
يأتي هذا بعد مرور أكثر من عامين على التدخل العسكري للمملكة العربية السعودية وحلفائها في اليمن، والتي كان آخر حلقاتها خروج القوّات القطرية الأسبوع الماضي بعد إعلان حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وقوفها مع السعودية والإمارات والبحرين.لا يمكن النظر إلى جائحة الكوليرا باعتبارها حدثاً صحّياً مفصولاً عن الدمار العامّ الذي يتداعى اليمنيون تحت وطأته، فخراب البنى التحتيّة والنزوح والاضطرار لاستخدام المياه الملوّثة والمرافق غير الصحّية، كلّها مظاهر مرتبطة بشكل مباشر بالحرب الهائلة التي تدور في ربوع اليمن.
قرار بعض دول الخليج المشاركة في الحرب اليمنية محاصرة قطر، وإلزامها الرئيس هادي بذلك، وما أدّى إليه من خروج القوات القطرية، يتجاوز، في نتائجه، ضعضعة الموقف الخليجي شبه الموحّد الداعم للشرعية اليمنية، إلى تأجيج الانقسامات داخل معسكر الرئيس هادي، عبر تطبيق الأجندة الإماراتية التي تدعم حركة انفصال الجنوب وتضع كل الاتجاهات الإسلاميّة السنّية، بما فيها التي تحارب مع هادي، ضمن سلّة واحدة تصمها بالإرهاب.
وإذا أضفنا ذلك إلى أن قرار السعودية والإمارات حوّل الخليج العربي نفسه إلى ساحة حصار وفضاء لأزمة مفتوحة فإن الأمر لا يحتاج إلى بصر زرقاء اليمامة ليرى أو حكمة لقمان لينتبه إلى الأضرار الكبرى التي ستصيب اليمن ومواطنيه الذين وقعوا ضحايا التوقيت الخطير والأخطاء السياسية الكارثية لمن اعتبروهم منقذين لهم من نار الحوثيين وصالح فجعلوا اليمنيين حطباً لتخبّطات السياسة الإقليمية.
فهذه الأجندة التي تقول إنها تحارب إيران والحوثيين وعلي صالح و»القاعدة» لا تلبث، فوق كل ذلك، أن تحشر «الإخوان»، ومن في حكمهم، قسراً في معادلة الأعداء الطويلة تلك، فتحاول نقلهم من ضفّة حلفاء هادي على الأرض إلى ضفّة خصومه، وهو أمر يُفرح أولئك الخصوم ويضيف إلى الحرب مع إيران وحلفائها حرباً داخل معسكر هادي تناظر الحرب داخل الخليج العربي.
… وكذلك الحروب الفرعية «الخاصة» التي ترعاها الإمارات في ليبيا مع خليفة حفتر، وفي فلسطين مع محمد دحلان، وفي عدد من الجبهات العربية المشتعلة، بل وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عبر التقرّب من التيار العنصري والكاره للإسلام داخل إدارة ترامب!

إضافة تعليق
الأسم*
الموضوع*
نص التعليق*