• منى صفوان
كيف أصبحت الإمارات بلا حلفاء واليمن فرصتها الاخيرة؟
الاربعاء 3 مايو 2017 الساعة 02:48
منى صفوان

في اليمن ، السيطرة العسكرية وحدها لاتكفي، فالصراع في الاساس هو صراع ايديلوجيات، وليس سباق تسلح، وبسط نفوذ، وفي هذه الحلبة تظهر نقطة ضعف دولة بلا ايديلوجيا مدججة بالسلاح، مغرقة بالمال، كدولة الامارات العربية المتحدة.
دولة الامارات  دخلت حرب اليمن بشعارات طموحة تهدف للقضاء على كل تيارات الاسلام السياسي المتجذره في اليمن، ليس فقط الحوثيين بل ايضا “القاعدة، داعش، وايضا حزب الاصلاح الاسلامي او الاخوان” .
 مشروعها الحربي في اليمن ، والذي يعد جزء من نشاطها العسكري في المنطقة، يبدو انه قابل للخسارة  في معركة الايديلوجيا، امام  الاحزاب والتيارات الاسلامية المتناحرة في اليمن منذ امد طويل، ان استمرت تحارب بنفس النهج، دون دراسة اشمل للواقع اليمني.
بلا حلفاء الداخل
 فنقطة الضعف الوحيدة لـ “للامارات”  في حربها في اليمن، أنها تصارع كل الأيدلوجيات الدينية المختلفة ، وتياراتها السياسية ، ومليشياتها المسلحة، بأعتى انواع الاسلحة وأدقها تجهيزا، لكن بدون ايديولوجيا.
ولهذا كان تحالفها ، اقترابها، او تقاربها السياسي فقط مع التيارات غير المؤدلجة دينيا، وهو تحالف وقتي، قائم على المصلحة، وشراء الولاءات، وليس تحالف عقائدي ، كما تعمل السعودية وايران وحتى قطر.
فالامارات تملك في اليمن مناصرين، و اتباع،  وليس حلفاء، بسبب عدم وجود رابط عقائدي، يمكنه ضمان ان يحارب الاخرون في صفك مهما كانت الخسارة،  وحتى عملها  احيانا لدعم بعض المليشيات المسلحة “السلفية”  في تعز، يُعد بالنسبة لها  نقاط تقاطع مع هذه الجماعات،  وليست نقاط التقاء.
ان هذه الدولة التي تخط تجربتها العالمية الناجحة في الادارة، التجارة والاقتصاد، وتؤسس لتجارب ناجحة في الحوكمة، وتتفوق بل تسحق نظيراتها من الحكومات العربية، وتنافس ارقى الحكومات العالمية، بانظمة المعلومات والانظمة الادارية ، اثقلت نفسها بحرب اعتى واغنى  اسلحتها هي “الايلديلوجيا”، وليست تلك الترسانة  التي تنقلها الى اليمن.
فاليمن معركة يمكن ان تكسبها بسهولة ان استطعت ان تنشر فكرك الديني، وبالتالي يمكن ان تخسرها بسهولة ان لم يكن لديك اي  فكر تنشره، والحرب عادة ليست الا حرب ايديلوجيات سواء كانت عالمية او اهلية، وليس لدولة لامارات فكر ديني او سياسي واضح.
انها الدولة صاحبة النهضة العالمية النموذجية، المشرفة عربيا، التي دخلت بكامل ثقلها  الى وحل الصراع الايديلوجي بلا ايديلوجيا، البلد الذي يرفع شعار معادات جميع تيارات الاسلام السياسي ” سنة وشيعة” ابتداء بالاخوان المسلمين والقاعدة وداعش وانتهاء بالحوثيين والتيارات الشيعية، يمكن ببساطة ان تتكالب عليه الدول الدينية، وتنهي مسيرتها.
هنا  اي من  المحورين السني او الشيعي ليس هو وجهة الامارات، حيث تبدو ابعد مسافة من جارتها الخليجية “قطر” التي تعد احد مراكز الاخوان المسلمين، وكذلك المملكة السعودية التي تصيغ تحالفات مع اخوان اليمن من اجل حربها  على الحوثيين. وهذه هي نقطة الخلاف بين الامارات والسعودية .
فهل تخسر الامارات موقعها ومعركتها في حرب الطائفية والايديلوجيا في اليمن، لصالح الموقع القطري والسعودي، فالصراع الخليجي- الخليجي في حرب اليمن كان واضحا منذ البداية ، فليست هناك اجندة واحدة للحرب الخليجية في اليمن.
استبعاد قطر
اجندة قطر تختلف عن اجندة الامارات بالتاكيد، بدعمها الواضح لحزب الاصلاح الاسلامي، ولوجود حلفاء حقيقين في اليمن، بدافع عقائدي وليست فقط بدافع المصالح والاستفادة المالية،  تماما كما هم حلفاء السعودية وايران في اليمن والمنطقة، فكيف تريد الامارات مواجهة هذه الدول وهي بلا حلفاء حقيقين.
  وبرغم بهوت الظهور القطري الواضح في حرب اليمن،  لصالح القيادة والظهور  الاماراتي، الا ان هذا لايعني اطلاقا انه ليس هناك دور قطري، وان ظهر اضعف مما هو بسبب التحالف السعودي – الاماراتي الاقوى على الارض.
 حيث استندت السعودية على الامارات كحليف اساسي في حرب اليمن واستبعدت قطر بسبب التنافس السعودي- القطري في المنطقة، وخاصة اليمن، كما ان الامارات كما سيتضح لاحقا لاتشكل اي تهديد ايديلوجي ديني او سياسي على السعودية.
في البداية استطاعت الامارات  ازاحة الجميع في عدن ، بعد اخراج الحوثيين، وبدا انها تحتفظ بالقطعة الجنوبية من الكعكة اليمنية لنفسها، بطريقة بدت للجميع ان هناك  اتفاق اماراتي- سعودي على تسليم ميناء عدن ، والمنفذ الجنوبي الساحلي للامارات، لكن الخيط الرفيع بين السعودية والامارات ظهر انه قابل للقطع،  وانه ليس هناك ثمة اتفاق سعودي- اماراتي بل صراع ، خاصة مع ظهور النزعة الاستقلاليه بالجنوب وحضرموت والتي دعمتها الامارات.
وظهر ذلك باقالة رجال الامارات  تباعا، من قبل “هادي” المقيم في الرياض، حيث بدا باقالة رئيس الوزراء “خالد بحاح”  وختمها مؤخرا باقالة محافظ عدن.
فلحد الان تبدو اقالة رئيس الوزراء السابق “خالد بحاح”  غير مبرره سياسيا، ولكنها جزء من الصراع الخفي بين الاصلاح ومن خلفه قطر،  وبين الامارات.
 فبعد الاقالة ظهر الدعم الاماراتي لبحاح  بشكل اقوى، وتوغلا بالداخل اليمني وتفاصيله دعونا نذكر القارئ  ب”مؤتمر حضرموت الجامع″  الذي عقد قبل اسابيع، والذي كان سببا رئيسيا لتسريع عملية تقليص نفوذ  الامارات في عدن،  عبر سلسلة قرارات واقالات،  فمع التجهيز لهذا المؤتمر خرج الرئيس “عبد ربه هادي”  عن طوره، وقام  باصدار قرار اقالة ثان بحق “بحاح” المُقال اصلا، كرئيس وزراء، وكانت الاقالة الثانية من منصبه الشرفي كمستشار لرئيس الجمهورية.
 وهو قرار لا يترجم الا حالة الغضب العارم تجاه ما يقوم به بحاح في الجنوب ، فاعلان حضرموت دولة او اقليم منفصل، ينسف مشروع “الدولة الاتحادية”  التي يقاتل هادي والاصلاح الحوثيين من اجلها. والتي تعد سبب الحرب الرئيسي في اليمن.
انقلاب سعودي على الامارات
وبعد سلسلة القرارت الاخيرة يمكن القول  ان اضعاف دور الامارات في اليمن،  يعني تقوية النفوذ القطري، او رجال قطر، عبر وكلاء وحلفاء قطر في اليمن، حيث لايظهر للامارات حلفاء اقوياء في اليمن.
ويبدو ان قرارات هادي الاخيرة باقالة رجال الامارات في عدن حظيت بدعم سعودي مما يمكن اعتباره انقلاب سعودي على الامارات، فالسعودية في الاخير تسير وفق مصلحتها، وهي تعلم منذ البداية ان الامارات لايمكنها ان تكون بالقوة المنافسة لها في اليمن.
 حتى محافظة حضرموت، وان بدا ان هناك دعم اماراتي قوي لاستقلالها، فانها تاريخيا تربطها الخيوط  بالسعودية اكثر مما تربطها بالامارات.
ومستقبلا، يمكن ان توقع حدوث انقلاب سعودي ثان على الامارات في حضرموت، بعد الانقلاب الاخير عليها في عدن. وسيكون هذا الانقلاب ايضا لصالح الاصلاح.  ان استمرت الامارات بسياسة  التعامي  عن حقيقة الواقع في اليمن , ومواصلة الرهان على الخيول الخاسرة.
اما في معركة  النزاع  الايدلوجي بين الخصمين ، ففي  وقت يتقلص  فيه التواجد  السياسي للاصلاح  في المناطق السنية الشافعية “الجنوب، تعز، ومارب”،  تقوى  شوكة الحوثيين  في المناطق الزيدية ” صعده، صنعاء ومدن الشمال”
وهنا تجلت المعركة الايديلوحية لصالح الحوثيين، اكثر منها لصالح حزب الاصلاح الاسلامي، الذي لحد الان لم يعلن له منطقة نفوذ مغلقة، حتى في تعز، فهناك صراع شرس بين الاصلاح والجماعات السلفية ولم يتم تسليم تعز بعد للاصلاح،  ويبدو ان هذا مرهون  بضعف الدور الاماراتي في اليمن.
  فخلال عامين كانت الامارات ترفض تسليم تعز للاصلاح، وشنت عليه حملات اعلامية تتهمه بالابتزاز المالي ، ودعم القاعدة، والجماعات الارهابية.
وفي توازنات اللعبة او المعادلة الايديلوجية،  يبسط  الحوثيون سيطرتهم على  مناطق المذهب الزيدي التاريخية في الشمال،  واهمها العاصمة صنعاء، بينما فشل ” الاصلاح الاسلامي” من التواجد بقوة في الجنوب “الشافعي” والعاصمة المؤقتة عدن. بسبب رفض الامارات.
وهذا هو السبب الرئيس للصراع بين الامارات والاخوان المسلمين في اليمن، ولهذا فان اقالة رجال الامارات في عدن، وتسليمها لرجال مقربين من هادي والاصلاح، يمكن اعتباره بدء ضمان عودة الاصلاح الى عدن.
فهل تتغير قواعد اللعبة الان لصالح حزب الاصلاح،  ويعلن عودته القوية في عدن، في وقت تنسحب فيه الامارات  الى مربع حضرموت، الذي يمكم للسعودية ايضا ان تقلب قواعد اللعبة فيه.
ان فرض العزلة السياسية على رجال الامارات في اليمن ، يجعل  الوضع مؤهل اكثر لعودة الاصلاح،  كحزب ديني ايديلوجي الى الجنوب، ولاننسى ان الامارات كانت قد منعت الرئيس هادي نفسه من العودة الى عدن واندلعت  معركة مع الامن الرئاسي في فبراير الماضي بسبب ان الامارات تجد ان هادي ليس الا قناعا للاخوان، وانه حصان طروادة الذي يحمل في داخله الاصلاح الى عدن .
وهنا لا ننسى المعركة المنتظرة ” معركة الحديدة” والتي يفترض بحسب الخطة الموضوعة لها ان تحرر الشريط الساحلي الغربي كاملا وتقطع على الحوثيين اي منفذ مائي، لكن ان وقعت الحديدة بيد الامارات فهذا يعني انها تقطع المنفذ المائي على الحوثيين والاصلاح معا، كما حدث مؤخرا في عملية تحرير الساحل الغربي ” الرمح الذهبي” فالامارات بتحريرها للساحل الغربي وباب المندب،  تحاصر خصومها في  صنعاء حيث الحوثيين ، وتعز حيث الاصلاحيين،  بحيث انها تخضع ميناء المخا لسيطرتها،  وحيث يبقى الاصلاحيون بين جبال وهضاب تعز بلا منفذ مائي.
لذلك تم تراجع  الامارات، من خطها العسكري الغربي، بعد خروجها لاول مرة من ثكنتها الجنوبية ، باعلانها  عملية تحرير الساحل الغربي، والتي لم تكتمل.
فهذه العملية اعتمد فيها الامارات  على قوات  الحراك الجنوبي الذي تدعمه، ولم تتعاون مع اي من المليشيات التعزية او الاصلاحية، الموجودة في المنطقة الغربية والجنوبية، ولهذا اُعدت هذه العملية العسكرية انها  ليست ضد الحوثيين فقط ، بل ايضا ضد الاصلاحيين ، فتم احباطها.
وبعد تقدم ملحوظ للقوات الجنوبية بدعم اماراتي تم الترجع، واعلن عن عدم نجاح عملية التحرير للساحل الغربي. ثم تحولت الدفة الى القيادة السعودية التي اعلنت انها هي من ستحرر الساحل الغربي، وميناء المخاء ومدينة الحديدة، وبذلك تحاصر الحوثيين وبلا شك سيكون للميليشا الاصلاحية دور في هذه العملية  الهامة.
فمن يعتقد ان اصلاح اضعف في اليمن، وانه بلا تاثير ، بعد اقالة حكومته في 2015 وقبلها بهروب قادته 2014 بعد اقتحام الحوثيين لصنعاء، فهو لا يعرف حجم الاصلاح وحقيقة تواجده في اليمن، فالاصلاح ليس مجرد مليشيات مدربة وقوات هجومية وقادة حربيون وسياسيون،  بل هو اولا واخير ايديلوجيا وفكر.
 وفكر الاصلاح الديني منتشر  في كل قرية يمنية، فقد استطاع التنظيم غرس بذوره المتطرفه، في اليمن خلال مدة تواجده في سطح العمل السياسي والحزبي، فلديه قاعدة شعبية كبيرة، مهما فجر الحوثيون من مقراتهم او مساجدهم واعتقلوا قادتهم فانه حجمهم اكبر بكثير مما نظن.
 وان كان قد حوصر مؤخرا بسبب تقليص الظهور القطري الداعم  له ، لصالح الدور الاماراتي ، الا ان عودته القوية تبقى امرا محتملا .  وهذا يتوقف على قدرة الامارات بالتكيف مع الوضع في اليمن، ومعايشه واقعه، ومحاربته بنفس ادواته، والرهان على الادوات الرابحة.
فالفكر الاصلاحي الديني- المذهبي والمتطرف،  غرس نفسه في مدن الجنوب باعتبارها المناطق السنية، وهي الاكثر تعدادا للسكان خاصة تعز.
والامارات  باعتمادها على سياسية المال والسلاح، تفقد اهم عناصر المواجهة مع خصومها، فهي بكامل عتادها العسكري لم تستطع لحد الان توجيه ضربه قاضية لخصومها من التيارت الاسلامية،  برغم انها تحاربهم وتحاصرهم، منذ اكثر من عامين في اليمن.
وخسارة الامارات لليمن قد يعني فعليا خسارتها الكبيرة في المنطقة، فاليمن هي فرصة لاثبات تواجدها  تواجدها كدولة طموحة ، يمكنها ان تشكل رقما صعبا في هذا الصراع الاقليمي، في هذه النقطة الهامة من خارطة الصراع، والا فانه يمكن عزلها بسهولة، من قبل السعودية وقطر، وحصر دورها واضعافها، لذلك فان اليمن هي فرصتها الاخيرة.
لكنها في هذه الحرب،  تفتقد لاهم سلاح في حرب الافكار،  وهو مواجهة الفكر الديني بفكر بديل في المقابل ، التيارات الايديولوجية التي كان يمكنها مواجهة التيار الديني في اليمن فكريا، جميعها اصبحت في معطف  الاصلاح منذ اعلان التحالف السياسي بين الاصلاح والاحزاب اليسارية والقومية.
 فالحزب الاشتراكي والناصري جميعهم الان هم شركاء الاصلاح وحلفاؤه منذ اعلان “اللقاء المشترك” وتشكيل حكومة توافق وهذا اضعف  دور التيارات الفكرية- اليسارية  في اليمن في مواجهة التيار الديني- اليمنيين المتطرف.
فلم يبق للامارات الى الاستناد على ملاذات فكرية وايديلوجية اخرى كالفكر الصوفي، المنتشر في حضرموت و التي تعد مركزا له، او تقوية نفوذ تيار اليسار، ومعه الاسلام المعتدل.
 ان الامارات التي تفتقد  حتى تعاطف اليسار اليمني والعربي عموما معها بسبب  تحالفه مع اليمين- الاسلامي، ولم تفكر لحد الان باستقطاب اليسار اليمني، ولا المدارس الدينية الاخرى ،  بصفتها دولة بلا فكر سياسي او ديني فان بقائها صعب جدا في بيئة  الصراعات  الايديلوجية- الدينية والسياسية، فكل التيارات المنتشرة في المنطقة من اقصى اليمين،  الى اقصى  اليسار موجودة في اليمن .
لهذا  كانت احدى ادوات “علي عبد الله صالح”  في الحكم هي مواجهة ايديلوجيا، بايدلوجيا اخرى،  فواجه الحوثيين بالسلفين، وواجه الاشتراكيين بالاخوان ،وواجه القوميين  بالبعثيين.
وبهذه الطريقة حكم اليمن 35 عاما، ولايمكن في خضم حرب ايديولوجية ان تسند فقط على  المال، والاسلحة المتطورة، الخطط الاستراتجية،  والمعلومات الاستخبارتية. فهناك قواعد اخرى للمعركة، في حرب يبدو انها ستطول.

إضافة تعليق
الأسم*
الموضوع*
نص التعليق*